بسم الله الرحمن الرحيمأما بعد حمدا لله والصلاة والسلام على رسله وأنبيائه وبعد فهذه سيرة الاسد الكرار والبطل المغوار الذي شاع ذكره في الاقطار وأذل بسيفه كل صنديد وجبار المهلهل بن ربيعه صاحب الاشعار البديعه والوقائع المهوله المريعه وماجرى له في تلك الايام مع ملوك الشام وفرسان الصدام من الحوادث والوقائع التي تطرب القارىء وتلذ السامع ولكن قبل الشروع في هذه السيرة الغريبة وأخبارها المطربه الغريبه رأينا أن نذكر طرفا من أخبار العرب أهل الفضل والادب أفاده للطالعين ونزهة للسامعين فنقول والله المستعان : أن أصل العرب من قديم الزمان وسالف العصر والاوان ولد نزار بن معد بن عدنان وكان قد ولد لنزار المذكور أربعة أولاد من الذكور كل منهم بالفضل والبأس مشهور وهم : مضر أنمار وأبار وربيعه وفارس الطرار ومنهم تشعبت قبائل الاعراب وملات البراري والهضاب فمن نسل أباد ملوك التابعه الذين أخبارهم بين الناس شائعه ومن نسل ربيعه ومضر وأنمار عرف الحجاز ونجد والعراق وسكان القفار وكانت العرب في تلك الزمان منقسمه الى قسمين وهما قيس ويمن فكان اليمن هم اليمنيون وباقي العربان القيسيون ومازالت العرب تنمو وتكثر وتمتد في البر الاقفر حتى اشتهرت العشائر والقبائل وظهر الامير ربيعه وأخوه مرة وأبناء وائل و ربيعه المذكور هو أبو الزير الفارس المشهور صاحب هذه السيرة ووقائعها الشهيرة .
(قال الراوي) وكان ربيعه في ذلك الزمان من جملة ملوك العربان وأخوه عروة من الامراء والاعيان وكانت منازلهم في تلك الايام في أطراف بلاد الشام وكانا يحكمان على قبيلتين من العرب وهما بكر وتغلب وولد لربيعة خمسة أولاد مثل الاقمار وهم كليب الاسد الكرار وسالم البطل الشهير الملقب بالزير وعدي ودرعيان وغيرهم من الشجعان وكان له بنت جميله الطباع شديدة الباع تعارك الاسود والسباع أسمها اسماء وتلقب بضباع وأما الامير مرة له عدة أولاد أبطال أمجاد وقد اشتهروا بالشجاعه وقوة البأس منهم همام وسلطان وجساس وله بنت جميلة فاضله نبيله يقال لها الجليلة فاتفق في بعض الايام أن الاميرة مرة دخل على أخيه ربيعه في الخيام وخطب أبنته ضباع لابنه همام وخاطبه بهذا الشعر والنظام :
يقول أمير مرة في قصيدة معانيه حكت درر الجواهر
ربيعة ياأخي اسمع كلامي أيا قهار فرسان الجبابر
أريد ضباع بنتك ياربيعه الى همام يافخر الاكابر
ولما ينتشي ابنك كليبا ويركب ياأخي الخيل الضوامر
وتكبر ياملك بتي الجليله مر فخذها له زوج لاتشاور
وهذا ياأخي أقصى مرادي أيا صدام آساد الكواسر
تبدي له ربيعه ثم قال له كلامك ياأخي مثل العنابر
تريد ضباع خذها يامسمى وزوجها لابنك لاتشاور
ومعها مائة خادم يخدمونها ومائة جاريه غير السرائر
ومعها مائة حر كالعرائس ومائة قعود مع ميتين جوائر
ومعها محمل الفاخر واطلس زياد ومسك فايح ودم عاطر
وهمام ابن مرة مثل ابني لغيرك ما أناسب أو أصاهر
هلم انهض وزوجها بسرعه وأفرح فيه وأعمل عرس فاخر
فلما فرغ ربيعه من كلامه وشعره ونظامه أعتنقه أخوه وشكره على حسن اهتمامه ثم باشر القوم بأمر العروس من ذلك اليوم وعقدوا عقد الامير همام على ضباع بنت الكرام كما جرت عادة الملوك العظام فأولموا اولائم وذبحوا الذبائح وأطعموا كل آت ورائح ومازالوا في سرور وأفراح وبسط وانشراح ودق طبول ولعب خيول وشرب مدام مدة عشرة أيام ثم زفوا ضباع على الامير همام فكانت ليلة عظيمة لم يسمع بمثلها في الايام القديمه حضر فيها كثير من سادات العرب وأهل
المناصب والرتب ودخل همام على ضباع وحظي بحسنها وجمالها ونالت منه غاية آمالها لانها كانت تحبه محبة شديدة وتوده موده أكيده وسوف يظهر لهما ولدان وهما شيبون وشيبان وسيأتي حديثهما بعد الان .
هذا ماكان من خبر بني قيس المدعوين بالقيسيه ولنتكلم الان عن حديث اليمنيه وماجرى لهم في تلك الايام من الامور والاحكام والحروب والاهوال في ميادين القتال فنقول وعلى الله الاتكال .
أنه كان في قديم الزمان في بلاد اليمن ملك عظيم الشأن صاحب جند وأعوان وأبطال وفرسان يقال له الملك حسان ويكنى بالتبع اليماني ولم يكن له بين الملوك ثاني وهو أول اليمنيه كما كان ربيعه أول القيسيه وكان شديد الاس قوي المراس كويل القامه عريض الهامه ولايعرف الحلال من الحرام ولايحفظ العهد والزمان وكان يحب النساء الملاح والمزاح منهن في المساء والصباح ومن أعماله الغريبه واصطلاحاته العجيبه كما ذكر أصحاب الرايات أنه كل ليله يتزوج بصبيه من بنات الملوك والسادات وكانت الملوك تخافه وتخشاه وتحسب حسابه وتترضاه وتحمل له الخراج
وتعلل له الخاطر والمزاج وكان عنده من الابطال والفرسان ألف ألف عنان وهم عشرة كرات مستعدين للحرب والغارات وكان له وزير عاقل خبير قوي الجنان اسمه نبهان قد امتاز على الاقران بفعل الخير والاحسان وكان كثيرا ماينهى الملك حسان عن ارتكاب الظلم والعدوان فاتفق في بعض الاعوام وفي يوم من الايام أن ألتقى تبع مع نبهان وقال له في الديوان بحضور الامراء والاعيان هل سمعت أيها الوزير والعاقل الخبير عن ملك كبير عنده رجال كرجالي أو أموال كعدد أموالي فقبل الوزير الارض ووقف في مقام العرض وقال أعطني الامان ياملك الزمان وانا أحدثك بأخبار ملوك الامم أصحاب البطش والهمم وماعندهم من الجيوش والعساكر والمهمات والذخائر
فقال قل وعليك الامان من نوائب الزمان .
فقال أعلم أيها الملك المعظم أنه لايوجد مثلك في هذه الاقطار من الملوك الكبار أصحاب الدين والامطار ولكن يوجد خارج البحار عرب من أهل الشجاعه والاقتدار عددهم كثير وجيشهم غفير يقال لهم بنو فيس وسيدهم اسمه ربيعه ولهم في الحرب والغارات وقائع مهوله مريعه وهم أعظم من وأكثر بأسا ،فلما انتهى الوزير من الكلام وسمعه من حضر في ذلك المقام أغتاط الملك وتأثر وكان عليه أشد من ضرب السيف الابتر فصاح على الوزير وزعق وقال له بكلام الحنق هكذا ياتيس تفضل علي بني قيس مادام الامر كذالك لابد أن أقدهم بفرسان المعارك وأقتل ملكهم ربيعة وأوردهم وأورد المهالك وأخرب بلادهم وديارهم وأمحو بالسيف آثارهم وأتملك الديار بالقوة والاقتدار ثم أنشد هذه الأبيات على مسامع الامراء والسادات :
يقول النبي اليمني المســمى بحنان فما للقول زورا
ملكت الأرض غصبا واقتدارا وصرت على ملوك الأرض سورا
وطاعتني الممـالك والقبـائـل وفرسان المعامع والنمورا
لقد أخبرت عن بطـــل عنـيد شديد البأس جبارا جسورا
وقـــالوا انـه يدعـى ربــيعـه أمير قد حوى مدنا ودورا
تولى الأرض في طول وعرض فكم خرب وكم شيد قصورا
فقصدي اليوم أغزوه بجيشي وأترك ارضه قفرا وبورا
أيا نبهان أجمع لي العـساكر قيأتوا فوق خيل كالنمورا
وجهز الف مركب ياوزيري واوسقهن في وسط البحورا
ثلاث شهور أسرع لا تطول يكون كل ماقلته حضورا
أسير بهم الى تلك الأراضي وأملك القلاع والقصورا
ويغنم عسكري منهم مكاسب وأزوجهم بنات كما البدورا
ويبقى لي الحكم برا وبـحرا ويصفي خاطري بعد الكدورا
( قال الراوي ) فلما انتهى السبع من شعره ونظامه وفهم الوزير ما حوى حديثه وكلامه ندم وتكدر الذي أعلمه بهذا الخبر ولم يعد يمكنه الا الامتثال وتجهيز الفرسان والابطال الي الحرب والقتال فنزل من الديوان وهو مقهور غضبان وأمر بدق الطبل والنحاس لاجتماع العساكر وباقي الناس وكان هذا الكبل يقال له الرجوج وهو من أعظم الطبول وكانت تدقه عشرة من العبيد الفحول وهو من صنعه ملوك التبايعة العظام وكانت الناس تسمع صوته عن مسافة ثلاث أيام وكان الملك حسان اذا غزا قبيلة من العربان يأخذ ذلك الطبل معه وأين ماذهب يتبعه ولم يزل هذا الطبل في ذلك الزمان يتصل من ملك الى ملك حتى أتصل الى الامير حسان سيد بني هلال المشهور بالاحسان والافضال فلما دقت العبيد الطبل وسمعت صوته قواد الفرسان اقبلت على الوزيرمن كل جهة ومكان فساموا عليه وتمثلوا بين يد يه وسألوه عن سبب د ق الطبل الر جوع فحد ثهم بذ لك الأ ير اد والمسير الى تلك البلأ د للغزو والجهاد ثم بعد ذ لك فر ق عليهم السلاح وآلات الحرب والكفاح ولما تكن المدة قصيرة حتى تجهزة المراكب وتجمعت العساكر من كل جانب وكان من جملتهم عشرة من الملوك كبار كل ملك يحكم على ألف بطل مغوار وحضرو الى أمام الملك تبع حسان وسلموا عليه وقبلوا الأرض بين يديه وقالوا له نحن بين يديك ولانبحل بارواحنا عليك فشكرهم وخلع عليهم الخلع الفاخر والتحف الباهرة ووعدهم بالمال الجزيل وبكل خير جميل ثم أمر الوزير بالاستعداد والرحيل على غزوة بني قيس وتلك البلاد وطلب منها أن يأتي بالعساكر من تحت القصر وهي نازلة الي البحر ليشاهد احوالها ويرى سلاحها واثقلها فمتثل الوزير لما أمر وفعل كما ذكر فانشرح صدر الملك عند رؤية العساكر والجحافل وهي في السلاح الكامل وألاستعداد للحرب والقتال فأنشد وقال :يقول التبع الملك اليماني صفا عيشي وقد طاب فؤادي
أتتني عساكر كالأسد تسري ألوف راكبين على جياد
عليهم كل درع من حديد له زرد كما عين الجراد
وبهم كل جبار عنيد يقال ألف ليث في الطراد
برؤيتهم فقد زاد انشراحي وزال الهم عني بابتعادي
أسير بهم لذاك البر حالا وأقتل كل من يطلب عنادي
وأرجع غانما في طيب عيش ولايبقى لتبع من يعادي
ألا يا عسكر قروا وطيبوا على نيل المقاصد والمرادي
ومني أبشروا فيما تريدون مهما تطلبوه بازديــــاد